خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 12 من رجب 1444هـ - الموافق 3 / 2 / 2023م
الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ: أَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ وَالْكِتَابَ الْمُبِينَ، الَّذِي فِيهِ الْهِدَايَةُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَالْإِرْشَادُ إِلَى كُلِّ بِرٍّ؛ فَهُوَ كَلَامُ رَبِّنَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ، هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ؛ ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ( [يونس:57]، فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَمَلُّ الْعَبْدُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ؛ ]اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ[ [الزمر:23].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِينَا هُوَ آيَةٌ بَيِّنَةٌ وَمُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَدِلَالَةٌ بَاهِرَةٌ، وَحُجَّةٌ قَاهِرَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَمِنْ جِهَةِ النَّظْمِ، وَمِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ، وَمِنْ جِهَةِ مَعَانِيهِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عَنِ الْغَيْبِ الْمَاضِي، وَالْغَيْبِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنْ جِهَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْمَعَادِ، وَمِنْ جِهَةِ مَا بَيَّنَ فِيهِ مِنَ الدَّلَائِلِ الْيَقِينِيَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَمْثَالُ الْمَضْرُوبَةُ؛ وَلِذَلِكَ تَحَدَّى اللهُ تَعَالَى الْعَرَبَ الْخُطَبَاءَ وَالشُّعَـرَاءَ الْفُصَحَاءَ بَلِ الْإِنْسَ وَالْجَانَّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ؛ ]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[ [يونس:38]، وَلَكِنَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ عَاجِزُونَ، وَلَوِ اجْتَمَعَ الْأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ؛ ]قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[ [الإسراء:88].
عِبَادَ اللهِ:
وَإِنَّ مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ حَفِظَ لَهُمْ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ أَنْ تَمَسَّهُ أَيْدِي التَّحْرِيفِ أَوِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، كَمَا حُرِّفَتِ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ، فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ حَرْفًا إِلَّا كُشِفَ، وَلَا أَنْ يُحَاوِلَ تَحْرِيفًا إِلَّا فُضِحَ وَعُرِفَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ [الحجر:9]، قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (حَفِظَهُ اللهُ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ الشَّيْطَانُ بَاطِلًا، أَوْ يَنْقُصَ مِنْهُ حَقًّا)؛ فَهُوَ كِتَابٌ لَا يُمْكِنُ لِلْبَاطِلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، وَلَا لِعَدُوٍّ لِلدِّينِ أَنْ يُغَيِّرَهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ [فصلت:41-42]، قَالَ الْإِمَامُ الطَّبَرِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ -: (لَا يَسْتَطِيعُ ذُو بَاطِلٍ تَغْيِيرَهُ بِكَيْدِهِ، وَتَبْدِيلَ شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ عَمَّا هُوَ بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِتْيَانُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا إِلْحَاقَ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ، وَذَلِكَ إِتْيَانُهُ مِنْ خَلْفِهِ)، وَعَنْ عِيَاضٍ الْمُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا: ... وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ)، [رَوَاهُ مُسْلِمٌ] وَقَوْلُهُ: (فَلَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ) أَيْ: أَنَّهُ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الذَّهَابُ، بَلْ يَبْقَى عَلَى مَرِّ الْأَزْمَانِ، فَلَوْ غُسِلَتِ الْمَصَاحِفُ لَمَا انْغَسَلَ مِنَ الصُّدُورِ، وَلَمَا ذَهَبَ مِنَ الْوُجُودِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ: أَنْ يُحِبَّ هَذَا الْقُرْآنَ، وَأَنْ يَعْمَلَ بِحَلَالِهِ وَيَبْتَعِدَ عَنْ حَرَامِهِ، وَيَقِفَ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَيَجْعَلَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِهِ وَالْعَامِلِينَ بِهِ؛ فَقَالَ: ]الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[ [البقرة:121]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أَنْ يُحِلَّ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وَيَقْرَأَهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ، وَلَا يُحَرِّفَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا يَتَأَوَّلَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ)، وَقَدْ سَمَّى اللهُ أَهْلَ الْقُرْآنِ وَحَفَظَـتَهُ أَهْلَ اللهِ وَخَاصَّتَهُ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ؛ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَرَفَعَ اللهُ تَعَالَى شَأْنَهُمْ وَأَعْلَى مَكَانَتَهُمْ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
فَاجْتَهِدُوا -عِبَادَ اللهِ- فِي تِلَاوَةِ كِتَابِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَاعْتَزُّوا بِدِينِكُمْ وَكَلَامِ رَبِّكُمْ، أَحِبُّوا مَنْ يُحِبُّ كِتَابَهُ وَيَصُونُهُ، وَأَبْغِضُوا مَنْ يَطْعَنُ فِيهِ وَيُهِينُهُ، وَتَذَكَّرُوا مَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْأُجُورِ الْكَثِيرَةِ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ؛ فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ:(ألم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ:أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرْآنِ:اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْـزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
كَمْ حَاوَلَ أَعْدَاءُ الدِّينِ مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْمُلْحِدِينَ أَنْ يُهِينُوا دِينَنَا وَنَبِيَّنَا وَكِتَابَ رَبِّنَا!! عَبْرَ رُسُومٍ مُسِيئَةٍ أَوْ حَرْقٍ لِمَصَاحِفِنَا، يَظُنُّونَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَهْدِمُونَ الدِّينَ أَوْ يُبْطِلُونَهُ، وَلَكِنَّ دِينَ اللهِ بَاقٍ مَا بَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالْإِسْلَامُ فِي سُطُوعٍ وَانْتِشَارٍ، وَكِتَابُ اللهِ مَحْفُوظٌ، وَالْعَاقِبَةُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ؛ ]يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[ [التوبة:32-33]، وَأَفْعَالُهُمْ هَذِهِ لَاشَكَّ أَنَّهَا تَنُمُّ عَلَى حِقْدٍ دَفِينٍ وَحَسَدٍ مُبِينٍ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَوَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ هَذَا الدِّينِ: أَنْ يُحَقِّقُوا أَصْلَ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ، وَأَنْ يَجْعَلُوا الْحُبَّ لِلَّهِ وَلِدِينِ اللهِ، وَالْبُغْضَ لِلْكُفَّارِ وَلِأَعْدَاءِ اللهِ، وَأَنْ يَعْتَزُّوا بِدِينِهِمْ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ، وَسَبِيلَ حُصُولِهَا هِيَ الْعَوْدَةُ لِدِينِ اللهِ؛ فَنُصْرَةُ اللهِ وَكِتَابِهِ وَنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكُونُ بِالرُّجُوعِ إِلَى دِينِ اللهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِهُدَاهُ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبِذَلِكَ تَعُودُ لَكُمْ عِزَّتُكُمْ، وَتَرْجِعُ لَكُمْ هَيْبَتُكُمْ.
اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورَ صُدُورِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا وَجَلَاءَ أَحْزَانِنَا، وَقَائِدَنَا وَسَائِقَنَا إِليْكَ وَإِلَى جَنَّاتِكَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَدَارِكَ دَارِ السَّلَامِ. اللَّهُمَّ ذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا، وَعَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا، وَارْزُقْنَا تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَاجْعَلْهُ حُجَّةً لَنَا وَلَا تَجْعَلْهُ حُجَّةً عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والـمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبادَكَ المُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وسُوءٍ فِي الدِّينِ والدُّنْيَا يا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِـيَّ عَهْدِهِ، وَوَفِّقْهُمَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة